الثلاثاء، 29 يناير 2013

الزغاوة تاريخ وتراث (14) هارون سليمان يوسف

   المشاجرة وأنواع القتل:

 المشاجرة: هي قضية شتم أو ذم أو تحقير يعقبها خلاف ويتحول الخلاف من قول إلى فعل يتمثل في الضرب فينتج عنه جروح أو يتطور الأمر إلى أذى جسم أو قتل. أسباب المشاجرة عند الزغاوة : للمشاجرة أسباب كثيرة منها ، حول ملكية الأرض،على الآبار،حول الكرامة، العرض، الأصل ، الشرف ، كلمات الإهانة والذم والتحقير والسب والشتم والأسباب المهينة ،السرقة...الخ . السب والشتم والتحقير: ليس لهذه الكلمات أهمية إذا لم ينشأ عن ذلك شجار يؤدي إلى الضرب أو الجرح لذلك تنتهي بالصلح والاعتذار المباشر. قضايا العرض والأصل والكرامة : تشكل هذه القضايا جريمة عشائرية عند الزغاوة لأنها تحط بالكرامة والنيل منها واعتداء على الاعتبار. ولهذه الجرائم عقوبات مادية ومعنوية وذلك لإعادة التوازن في المجتمع حيث يقوم الأجاويد والحكماء وزعماء عشائر الزغاوة بفرض غرامة مالية على المذنب وتوبيخه على ما

أفلت به لسانه وثم تقديم الإعتذار لأصحاب الحق ثم يقوم الأجاويد والأعيان بتشجيع أصحاب الحق على التسامح والصلح مع ضمان عدم تكرار الخطأ مستقبلا . هذا إذا لم يكن هناك اصابة ناتجة عن المشاجرة أما في بعض الحالات تؤدي هذه القضايا إلى القتل والثأر. الجروح والكسور والأذى الجسيم :مثل السن والعين والخصي وجروح الوجه والرأس فلكل حالة عند الزغاوة تعويض مادي ومعنوي معين حسب حجم الضرر الذي لحق بالمصاب ،فبعد شفاء المريض يقوم الأجاويد بتقدير تعويض الأذى قد تصل بعدها إلى دية كاملة كالخصي وبعضها إلى نصف دية كالعين كما يتم حصر تكاليف العلاج والخسائر وتعويض المتضرر من أموال مرتكب الجريمة بالإضافة إلى تأديب المعتدي وتغريمه وإهانته أدبيا وتبييض الوجه وغسل سواد المتضرر بالكلمات البيضاء وتشجيع الأطراف على التسامح وطي الصفحة وفي بعض الحالات يعاقب الفاعل بالسجن والتعويض معا ومن العادات الحميدة في هذه الحالات طلب الأجاويد من المتضرر التنازل عن جزء من خسائره تقديرا لخاطر الأجاويد والحكماء وحتى لا تصبح عادة تتكرر في المجتمع لأن في بعض الحالات إذا تضرر الفاعل من المتضرر أو من أفراد عائلته في يوم ما يطلب إعادة خسائره السابقة قبل البدء في نقاش ضرره أي ربط المشكلة بالمشكلة السابقة ولمحاربة هذه العادة نجد الكثير من عشائر الزغاوة يعقدون اتفاقيات فيما بينهم بعدم أخذ بعض الخسائر عند حدوث أضرار لأحد أفرادهم من الطرف الآخر. القذف: هي إسناد واقعة معينة للمقذوف أو أهله وذلك بالتشكيك أو الاتهام الصريح بوقائع تتصل بالأصل والنسب والزنا والرق وغيرها . فهذه الجريمة إذا لم يكن مجرد إثارة المقذوف بسبب خلاف أو مشاجرة (كلي لي) فإنه في حالة عدم ثبوت الواقعة يتم إعادة الاعتبار الشخصي للمقذوف وذلك بدفع (طبق أي كتيه) في حالة القاذف والمقذوف من النساء ، أما إذا كان من الرجال أو رجل وامرأة فيتم دفع (تنية) وهي عبارة عن جمل جدع أو 7 ضأن أو ما يعادلها نقدا ويتم تسليمها للمقذوف وتسمى عند الزغاوة (كوراء تي) أي غسل المقذوف بهذا التعويض تأكيدا لنقاء دمه، هذا في حالة حل المشكلة عن طريق الأجاويد أما في حالة المحكمة فيتم سجن القاذف لمدة أقلاها 6 شهور مع دفع الغرامة وتعويض المقذوف بالقيمة الموضح أعلاه تثبيتا لهذه العادة في المجتمع لضمان عدم تكرار مثل هذه التصرفات مستقبلا. الجروح التي تسبب عاهة دائمة: ففي هذه الحالة تتوقف ديتها أو تعويضها لدى الزغاوة على أهمية العضو المصاب ومدى الضرر الذي أصابه ،فكلما كان الضرر كبيرا ،كان التعويض أكثر وتقدر عادة لهذا العطل بعضا من دية أي قد تصل إلى ربع دية أو نصف دية أو دية كاملة. الضرر المفضي إلى الموت : قد يتوفى المصاب حالا أو بعد فترة طويلة بسبب تلك الضرر ففي هذه الحالة يلتزم الجاني بدية القتيل حتى ولو طالت مدة المرض المترتب على الإصابة في حالة ذكر المصاب بأن الإصابة المترتبة على الضرر هي سبب في موته أو أثبتت التحقيقات ذلك. القتل: هو من أبشع الجرائم على الإطلاق وقد اتفقت جميع الملل والنحل منذ بدء الخليقة على تحريمه ومن أشد الجرائم خطورة لوقوعه على حق الإنسان في الحياة وهو من الحقوق التي صانتها التشريعات المختلفة من أقدم العصور وأحاطتها بكل مظاهر الحماية وعاقب الاعتداء عليها بأشد أنواع العقوبات التي عرفتها البشرية. القتل في اللغة : هو الإماتة وإزهاق الروح وفي الشريعة وهو القضاء على حياة الإنسان بطريقة غير مشروعة. القتل في العرف العشائري: هو عمل يقدم عليه شخص ما فيؤدي إلى قتل روح ويترتب على إزهاق الروح في القتل بأساليبه المختلفة وباستعمال آلة نارية أو بدائية أو بوسائل أخرى. أنواع القتل : للقتل ثلاثة أنواع اثنان منها ذكر في القرآن الكريم هما القتل العمد والخطأ والثالث ذكر في السنة النبوية وهو شبه العمد. القتل العمد: هو القتل عن قصد وعدوان ويعتبر هذا النوع من الأمور الخطيرة التي يحسب لها في مجتمع الزغاوة كل حساب فقتل واحد من الأسرة أو العائلة أو العشيرة يعني قتل الأسرة أو العائلة كلها وأن الأسرة أو العائلة أو العشيرة أصبحت موتورة بأحد أبنائها. القتل الخطأ : هو انصراف إرادة الجاني إلى الفعل دون النتيجة الضارة وهو أن لا يقصد الضرب ولا القتل فمثلا لو سقط على غيره فقتله كرمي الصيد فأصاب إنسانا. وهي قسمين خطأ في الفعل وخطأ في القصد. القتل شبه العمد : هو قصد المجني عليه بما لا يقتل غالباً فقتله كالضرب بالحجر الصغير أو الخشبة والسوط والعصا...الخ. فقتل الخطأ وشبه العمد عند الزغاوة تنتهي إلى دية ودفع الخسائر التي ترتبت على هذا النوع من القتل وتلعب الأجاويد ومساعي الحكماء من عشائر الزغاوة دورا هاما في دفع أهل المقتول بقبول الدية وتتم الموافقة بعد اكتمال المشاورات الخاصة بالعائلة ومن له صله بالمقتول من ناحية الأب والأم معا. وعليه نحن سنفرد الحديث عن القتل العمد والثأر والدية. أثر جريمة القتل العمد على الأسرة والعائلة والعشيرة : بعد وصول نبأ القتل يقوم الأطفال والنساء بالعويل والبكاء ويعبرون بتعبيرات هجائية وتحريضية ومطالبين بأخذ الثأر ويظهر الغضب والحزن في وجوه الرجال بل يتحرك الشباب منهم إلى بحث الجاني والنيل منه أو احتجاز ثروته وثروة أقربائه. موقف الجاني وعشرته: أول ما يفعله الجاني هو تسليم نفسه لأقرب مركز شرطة إن وجدت في المنطقة أو بزعيم العشيرة بغرض توفير الحماية له أو الاستجارة بعشيرة قوية من عشائر الزغاوة لتوفر له الحماية الأولية ثم تسليمه للحكومة أو أن يهرب الجاني خارج دار الزغاوة وإلى جهة غير معلومة واللجوء إلى أحد من أقاربه الذين يسكنون في مكان خارج دار الزغاوة وغالبا كان الجناة يهربون إلى مناطق بعيدة فيها موانع طبيعية كالجبال والغابات ،حتى لا يناله يد الثأر. أما أسرة الجاني وعائلته فيهربون بماشيتهم إذا أمكن إلى دولة مجاورة أو إلى مناطق بعيدة من دار الزغاوة ويستجيرون قبائل قوية توفر لهم الحماية أو يسكنون بالقرب من أماكن تواجد الحكومة ،فيبقون طوال الفترة ما قبل الدية في حزر دائم لأنهم على موعد مع الثأر في أي وقت وأي مكان ،كما تسعى أسرة الجاني وعائلته إلى إرسال الأجاويد والحكماء للطرف الثاني لتهدئة الموقف وطلب قبول الدية. في الحلقات القادمة: الثأر والدية صفات من بيئة الزغاوة معالم من دار الزغاوة ( وادي هور ، العطرون ، واحة النخيل ) الزغاوة ومملكة وداي الزغاوة والحركة السنوسية الزغاوة وسلاطين الفور الزغاوة والتركية الزغاوة والمهدية الزغاوة والإدارة الإستعمارية الفرنسية والبريطانية المراجع والمصادر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق