الخميس، 5 يونيو 2014

قصة قصيرة لإبراهيم اسحاق


الخروج من حلة أنفاقا

ألوان، 21رجب 1435هـ الموافق 20 مايو ، 2014 م – العدد (5565)
( كل امرئ بما كسب رهين )
سورة الطور
في طوافنا المستمر على أيام ذرور الفتن ، وفي هدوء الأحوال نسبيا بعد انحسار أوارها ، مررنا بتلك الحلة مرارا ولم ندخلها قط .. ما بين جبل دقم ، ووادي دروك ، وبئر العلاونة كيفما يكون اتجاهك ، غاديا من تندلتي أو رائحا ، تراها في طرف الكثبان الرملية الشاهقة المتولدة من قيزان أبوزريقة في امتداداتها الشرقية.. وكانوا قد أعلمونا بأن سبع أسر من دار الريح جاؤا في عام 1984 ن على أيام المجاعة والمحل ، فمنحهم شيخ الأرض من المراريت تلك البقعة ، وأطلق يدهم على ما حولها ، زراعة في النقوع والعتامير والرمل، ورعيا في الوديان والكثبان.. فكانت أولى بادواتهم ( بداياتهم) الشاذة أن انتحلوا لقريتهم اسم المشيخة القديمة في انفاقا.. ولأنهم رطانة ، فأهل الحلالات التي تجاورهم لم يكترثوا لهم ولم يداخلوهم ، لا في الأفراح ولا في الأتراح...
لمرات عدة زارهم شيخ الأرض بصحبة بعض الأعيان وشبابهم المسلحين .. إذا درب المسروق دخل
الحلة أو جانبا منها نوجب على أهل الحلة إن أرادوا الإصلاح مع مساكنيهم ، أن ينتبهو إلى الفعايل التي يأتيها سفهاؤهم.. ومن الذي لا يعرف هذه الأعراف؟! ولأنهم لن يستطيعوا العيش في انقطاع عن باقي خلق الله ، فزيارة أقارب لهم من دار الريح ، وزياراتهم هم التبادلية ، ستأتي لحلتهم أنفاقا ببعض الأجانب على المنطقة  ويا أستاذ؟ فالسلامة المجتمعية في هذه القرى لا تنبني إلا على القدرة في أن تتعرف على الشخص الذي تقابله في الخلاء أو في الجواري والحواري: ومن أي قرية هو ؟ ومن أي قبيلة ؟ وأي الناس يعرفونه ؟ ومن المسؤل عنه حتى يتسكع في هذه النواحي ؟ ثم السؤال  الملحاح الآخر : أهو مأمون حقا على الأملاك والأغراض والأنفس والدين  أم هو راصد ملعون؟ عبدالغفار ولد حسان وعماد ولد عبد القادر كانا يحدثانني بأنهما يظنان أن بعض تجار السلاح غير المرخص يغشون تلك الحلة ، لكنهما يفشلان تماما في تجنيد شخص واحد تكون في مكنته تبين ما يحدث عند تلك البيوت والحيشان السبع .. وأخيرا فقد تبرعت لهما بالحل .. فنحن أيضا يهمنا إن كان شبابهم ينخرط في أو يخالط الحركات ) كطابور خامس..
على بعد نصف ميل من الحلة إياها سأزرع راعيا يصحب عشرين نعجة وعدة كباش.. وقد وافق العقيد على شرائها من حسابات الكتيبة .. وجدت للمهمة شابا من البرقد وضاح المحيا بسام الثغر ، ولياقته الجسدية عالية .. أو ضحت له أنني لن أمنحه أي سلاح، ولن أزوده إلا بموبايل عادي لا يكلف إلا الجنيهات المائة .. وعليه أن يضع في مقاهي بئر العلاونة أحد البطاريتين للشحن ، ويحفظ البطارية الأخرى في الموبايل.. فكلما يذهب ليسقي أغنامه يستلم البطارية المشحونه ، ويترك الفارغة عند المقاهي .. لا يكلمني قط بالجوال إلا بالشفرة  .. وذلك عندما يكون في بئر العلاونة .. ولا ينقل لي خبرا أمنيا بالجوال .. ولا يستخدم بيني وبينه رتبة مدنية أو عسكرية .. فأنا صديقه ( المدقاق) .. نعم يا أستاذ .. تلاعبا مني باسم المقداد .. هو صديقي ( مزمل) في ورد في محادثته كلمة (طولتو) سعيت لمقابلته عرضا في بئر العلاونة كأنني راكب عابر على اللواري ومركبات الأسفار..
في الحادية عشر صباحا ليوم من شهر أبريل عام 2010 م كان صوته يصلني بانزعاج غريب .. إعتقدت أنهم قد وضعوا أياديهم عليه ، لا بارك الله فيهم !
في شنو يا مزمل ؟
ناس الحلة ديل حصل ليهم شغل ما كويس ..! يعني شنو  و؟!
والله غلا تقوم حسا طوالي تركب وتقابلني في العلاونة
يا مزمل في شنو ؟ سيادتك تعال فورا ..
وأقفل الخط .. والحقيقة يا أستاذ فقد تهلهلت أفكاري للغاية ، فها هو لأول مرة رغم تحذيري له ، يستخدم الرتبة التي نهيناه عنها .. لكنه طالما يقابلني في العلاونة فهو ليس أسيرا لديهم ،  وهذا يطمءنني قليلا .. دخلت عند العقيد وخرجت بموافقته ثم غشيت البيت .. وفي الثانية عشر كنت في مواقف سفريات الضواحي ، أبحث عن الخطوط الذاهبة إلى الجنوب الشرقي من تندلتي السلاطين .. عند الثانية بعد الظهر وصلت إلى العلاونة .. وجدت مزمل قد سقى أغنامه ، وجلس بطرف المقهى في انتظاري .. سلمت عليه بشوق حقيقي .. وقد طلبنا من المقهى عصيدة وشاهي .. ثم تطرف بي من المقهى ليحكي لي ما كان يطارده ويطارده ..
ويا أستاذ؟ هل صدقه أم لا أصدقه  ؟ ؟ وإن لم أصدقه فلماذا كلفت بالمهمة أصلاظيقول لي انه يسمع نواحا يأتيه من جهة الحلة أنفاقا في اول النهار ، فلم يدر أمات لهم شخص سليم أو مريض أ م قتل لهم شخص أم جاءهم خبر .. وبسبب من تلك التساؤلات لم يبعد بالغنم عن الضرا وحبسها في طرف الوادي تدور بين شجيرات المخيط ودكادك الهجليد .. والأراك المختنقة بزحف الرمل الصحراوي .. وحينما انتصف النها رآهم نعشا يذهبون به صوب الجبانة ..
قلت لنفسي .. يحكي لي مزمل ، الموت حق .. وواجبي كبني آدم هو أن أدفن معهم .. وقد أجد طريقة للتقرب إليهم .. أطردت الغنم باتجاه الجبانة فلحقت بهم .. تركت الغنم عند شجيرات اللعوط وسرت إليهم فسلمت ورفعت الفاتحة للميت ووقفت .. كان هنالك أربعة شبان يحفرون اللحد .. واصطف من الكبار ثمانية أحاطوا بالنعش المسجى فهمهموا كثيرا .. ولم أسمع لهم تكبيرة واحدة .. قلت لنفسي ..يقول مزمل ، يجب أن لا نتوقع من بعض هؤلاء الريفيينفي الحلالات أن يحفظوا شعائر الجنازات كما هي معهودة عند سكان المدن والبلدات الكبيرة ، ثم لفت انتباهي سيادتك ، أن أحد هؤلاء الشبان الواقفين كان يحمل جهاز راديو ومسجل قديم .. ماذا يفعل جهاز الرادبو و المسجل في المقابر؟! ثم هونت الأمر على عقلي وصرفت بالي إلى كمالات الحفر وتقريب الجثمان وإدلائه في اللحد ..أسمعهم يرطنون ويؤشرون علي بغلظة .. فتخوفتهم على نفسي لوهلة .. صاحب الراديو والمسجل أخذ بيدي جانبا وهامسني بلسان خفيف العجمة .. ظننته بالتأكيد تحصل من التعليم المدرسي على قدر غير هين ..
-         عوايدنا أنحنا نخلي مع الميت أغلى حاجاتو ..عرفتا
_ أيوه عرفتا .. عوايدكم وبتعملوها .!
_ ترا ما نسمع تمشي تقول لي زول التشوفو دا
-         لا ..لا .. كل الناس بعوايدهم ومخيرين فيها
-         لسانك وعندك.! ليكم الأمان مني..
-         أنا ما جاركم وقاعد جنبكم .
-         خلاص ..
وضعوا الراديو والمسجل في الفراغ بين رأس الميت وحافة اللحد .. ثم فو جئت بذلك الشاب يضغط صباع التشغيل في المسجل .. ماذا يريد هذا أن يسجل ؟وما فائدة أن يسجل المسجل وهو في اللحد؟ ومن يريد أن يعرف الذي يحصل هناك وهم ينصرفون إلى بيوتهم ويتركونه وحيدا في البرزخ ؟
وضعوا العتب وألواحا ، وألواحا مقطعة من شجر الهجليد، ثم ردموا التراب .. وصعد القبر فاستقام بين شاهدين من جذوع  قديمة ..  رفعوا فاتحة سريعة صامتة .. ضربوا بها وجوههم . ومررت عليهم فردا فردا صافحتهم بالعزاء .. كان الراشدون بضعة عشرة ، والصبيان يزيدون عليهم .
سيادتك ؟ والله الموضوع ظل ينحت في رألسي لبقية النهاربأسره .. لو وضعوا معه سيفه أو بندقيته فلا حرج ما دامت تلك عوايدهم .. كن راديو ومسجل؟ ثم أن يضغط ذلك الشاب على إصبع التشغيل ؟ وفي القبر ؟ كنت أجلب النعاج قبل المغرب حينما ألحت في ذهني الفكرة .. مجانين.
والله وبالله مجانيين ! ماذا يريدون أن يسجل لهم غير سؤالات منكر ونكير لصاحبهم أو صاحبتهم ؟ خلعت حتى تدفق بعض الحليب على ثوبي .. إنا لله وإنا إليه راجعون.!
أسرعت فغليت اللبن وشربت منه .. ثم جاءت الطامة .. فهناك في طرف الحلة ، والشمس تتدلى للغروب ، أرى ثلاثة شبان يتعجلون الخطا نحو الجبانة .. هل مات شخص آخر ؟ هل شمعت يا مزمل – أسائل نفسي نواحا في الحلة ؟ ويكبس علي رأسي ذلك الاحتمال البغيض فينخفض على بالي . لبست نعالي وأسرعت من شجرة إلى شجرة أتوارى ، وأزحف ، وأكمن ن واحاذر .. كذلك تقتضي الأحوال حتى عبرت أكثر من كيلو متر كامل على شكل هلال .. فدرت حول القوز ووجدتني أربض أخيرا وراء جذع شجرة طلح لا تبعد عنهم إلا عشرة أمتار أو اقل .
وقفوا فوق ذلك القبر ، وعلى عاتق ذلك الشاب ذاته المجراف الذي حفروا به في النهار .. رطنوا قليلا ثم نزع الشابان الآخران الشاهد على جهة رأس المقبور .. وبد}ا يزيحون التراب عن هذا الجانب من القبر .. يعملون صامتين ومنبتين .. اعتقدت أنهم يتمالكون أنفسهم من الرهب ، ولو دوت فوقهم جلجلة خالعة لافرنقعوا .. لكن تصميمهم بدى مكينا  .. وقليلا قليلا نزل أحدهم في القبر على جهة الرأس .. الظلام يحل على الجبانة .. لكنني ظننتهم لن يستخدموا مصباحا .. لعلهم لا يريدون لفت الأنظار إلى ما يفعلون .. وأحسبهم في الحلة سيدعون بأنهم مروا من هناك فوجدوا القبر قد لفظ الجهاز فأخذوه .. ويا لأولاد هذا الزمن ! على ضوء النجوم شهدت الراديو والمسجل تلمع مقابضه المعدنية في أيديهم .. ويرطنون .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. قلت لنفسي يا سيادتك ، إذا ما قامت قيامة هؤلاء الناس لا أريد أن أكون قريبا منهم فيمسني العذاب .. أعادوا التراب إلى محله . والشاهد إلى موضعه ، والأشواك التي تحمي القبر من نابشات القبور .. ثم انصرفوا وانصرفت أنا أيضا إلى أغنامي ، كياني كله يرعش بالوجل ..
يا أستاذ ؟ أنا المقداد نفسي لم أعد أحتمل هذا القدر من منذور الرجز وما يليه .. فسألت مزمل :
يعني شنو يا مزمل؟ عايزين يسمعوا كلام منكر ونكير ؟! يبحلق مزمل في وجهي ويفرد كفيه بغلبة :
سمح إنت قول لي يا سيادتك .. عايزين يعملوا شنو؟ آاها؟
شربت باقي لبني ذك يقول مزمل ، وتأكدت من أغنامي حين سواد الليل يتكثف حولي مثل وشاح غامر وكثيف.. توسدت سرج حماري ورقدت .. ويبدو أنني نعست .. فقد أخرجني من غفوتي صوت خافت سريع يصاحب حسا مبهما يخالط تلك الظلمة القاهرة التي تشبه ذيول انفضاض البرق .. لم يكن هنالك فيما أتلفت بالآفاق أي شئ غير عادي .. لكن كل شعرة من جسمي هذا ، سيادتك وقفت لوحدها .. أقول أعوذ بالله .. أعوذ بالله ! فهناك شئ حصل أو يحصل ..أو سيحصل .. صوت لا أدري كنهه لكنه يدودر في سمعي كطنين نحل بعيد في الأعالي .. ليس أمامي في جميع الجهات ما أستطيع أن أنكره أو أستغربه ، لكن الدليل على ذلك الحدثان أجده في بشرتي بجمعها ، وما أنا بالمحموم ولا شئ.. ولعلها يا سيادتك مثل أن تمر الصاعقة دون صوت على مرمى متر أو مترين منك وأنت في دياجير الغياب عن الدنيا ، ثم تهب مستيقظا ولا تدرك ماذا؟ أين ؟ متى؟ ومن؟ إلى آخر تلك الانزعاجات .. أظنني لم يغمض لي جفن، سيادتك ، إلا بعد منتصف الليل ..
بعد صلاتي للصبح حليت نعاجي وغليت اللبن وصنعت لي عصيدة .. ثم انتبهت إلى أنني لم أسمع من حلة أنفاقا منذ البارحة لا نهيف حمار ولا عوعاء ديك ولا كركرة جمل . دع عنك هرج الآدميين .. وقفت تجاه الحلة أنظر والشمس تأتي من فوق التلال الشرقية في أبودليق بيضاء ناصعة لو قلت ساعة أو ساعتين سيادتك لعلي لا أكذب .. لم أر لا رجل ولا امرأة ولا طفل ولا حمار ولا كلب .. تركت الغنم تذهب على وجوهها تجاه الشجيرات تطلب لحاجتها مغنما .. وفي ظل العرديبة عند الضرا أقف مراة على ساق واحدة . والأخرى زاوية عليها ومرة على ساقيين، وأنحني إذا ما تصلب ظهري . ثم أمرن عضلات الجنبتين .. عند الساعة العاشرة قبل الظهر تأكد لي أن هذا الأمر لا يستقيم .. فدفعت أغنامي أمامي وجئت إلى العلاونة فأجريت لك المكالمة ..
 يا أستاذ ؟ البلبلة تلك الساعة تنتقل إلى رأسي أنا .. أفكر وأقدر وأوازن .. وجهت مزمل بأن يعود بأغنامه إلى مرابضها ومرعاها .. ووقفت على ترتيباته  حتى دفع ثمن السقاية ونهر على قطيعه فانصرفوا .. اتجهت بعيدا صوب أشجار القرض الوهيبة الظلال . ونقرت على رفيقي مهران في تندلتي السلاطين .. طلبت منه أن يخطر العقيد فورابالمستجدات .. ويجهر أحدى سياراتنا بستة رجال في كامل سلاحههم وزيهم ويأتيني بأسرع ما يستطاع في العلاونة ، ثم انصرفت لإلى مقهى صديقنا حمدتو فدخلت في راكوبته الخاصة وغفوت قليلا ..
 عند الرابعة والنصف سمعت صوت سيارتنا تدخل إلى باحة المقاهي بالعلاونة .. الرجال طلبنا لهم غداء من المقهى . ونحن سرنا إلى بيت عميلتنا السرية ( أم عبدالماجد) ي العلاونة أنها قريبتي من جهة مسعود ولد خليل تغدينا عندها وشربنا الشاهي وأحكمنا خططنا .. فلما ركبنا السيارة درنا حول القوز وأتينا إلى حلة أنفاقا من الجنوب .. احتمينا وسيارتنا تحت ثلاث شجيرات سيال هناك .. ووقف ضارب المدفع بأعلى السيارة وراء درع الدوشكا ، متجهزا بمقابض الاستعداد لزج النار عند أول ريبة .. شخصي ومهران والسائق احتمينا ببنادقنا والقذائف المضادة للدروع عند رفارف السيارة وتجهزنا لإخلاء رجالنا الربعة إذا ما واجهتهم مقاومة في الحلة .. ثم توزع الرجال الأربعة إلى فرديد فردين فحزموا بنادقهم وقنابل القرنيد ودخلوا بيوت القرية السبعة واحدا تلو الآخر .. من اللالوبة الكبرى أم الهجاليد رفعوا لنا علامة خلو القرية تماما فسرنا إليهم..
لم يكن في الحلة كما يقول مزمل ، لاإنسان ولا حمار ولا جمل ولا كلب ولا دجاجة .. سبحان الله . عند السادسة مساء ساقتنا الدروب الخارجة من البيوت إلى مجلس اجتمع فيه الناس على بعد سبعة أو ثمانية  أمتار من أم الهجاليد .. آثار أقدام حافية وأخرى منتعلة .. رجال ونساء وأطفال .. حتى موضع الراديو والمسجل نفسه رأيناه في الوسط حيث جلس الكبار القرفصاء ووقف النسوة والأطفال .. آثارهم تدلنا على ميعاد لذلك اللقاء يقع بين الثامنة ليلا والعاشرة .. ويا سبحان الله .. فلا أثر حتى لممشى ضب أو فار أو سحلية أثناء الليل الباقي والنهار العاقب فوق تلك الآثار..
يا استاذ ؟! هذا شئ يمخول .. قد درنا حول ذلك المجلس ومحيط القرية ذاتها أكثر من مرتين لكننا لم نفع على أي أثر لمسار أولئك الناس  لا باتجاه بيوتهم ولا لأي مكان خرج ذلك المجلس .. أحد رجالنا برك فجأة وانخرط في البكاء .. كأنما أولئك الناس يكونون من أوليائه .. سحب منه المساعد السلاح ووجهه ليرتاح تحت أم الهجاليد .. يراقبه ضارب المدفع بأعلى السيارة .. ثم صرف مهران الرجال الخمسة فانحازوا إلى الظل وتركونا لوحدنا نتفاكر .. سنعود إلى تندلتي السلاطين ليلا..  وإذا ما يوافقنا العقيد بالغداة سنكتب تعميما باسم السرطة المحلية موجها إلى عموديات وشرتايات ومشيخات المنطقة .. سنقول بأن أهل حلة أنفاقا كانوا قد أحدثوا عن نواياهم  حول التسرب إلى معسكرات النازحين في تندلتي السلاطين ونالا وزالنجي .. وقد رحلوا دون علم من المسؤلين ، متفرقين على عوائلهم في معسكرات أبوشوك) و( عطاش) و ( كلمة) وما عداها .. أما إن غيروا رأيهم وعادوا إلى دار الريح فستعلم السلطات الولائية بهم ولو بعد حين ..
في اليوم الثاني أصدرنا الأوامر تلفونيا لمزمل أن يبيع تلك النعاج والكباش في سوق كريو ) ويحمل المبالغ إلى خزينة الكتيبة في تندلتي السلاطين .. ثم اجتمع العقيد ثالث الأيام مع رجالنا الستة ومزمل بحضورنا .. يخاطبهم مهران : نحنا يا رجال لا نفسر شيئا، ولا نتدخل في كل إشكالات الدنيا ، ولا نقر بشئ فعلناه ، والله العليم إلا لهذا العقيد .. والعقيد يقول لكم : ختمت هذه القضية نهائيا بذلك التقرير ووضع عليه الشمع الأحمر .. يرفع التمام ..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق